ترجمات

حان الوقت للاعتراف بالتطور الذي طرأ على حزب العمال الكردستاني

هل ينبغي أن يكون تمرد حزب العمال الكردستاني والأيديولوجية الماركسية السابقة عاملاً غير مؤهلاً اليوم؟  

لا ينبغي على الماضي الماركسي أن يحرم الكرد السوريين من الشراكة الأمريكية.  

في الحادي عشر من يناير/كانون الثاني من العام الجاري، بدأ الرئيس دونالد ترامب عملية سحب القوات الأمريكية من سوريا، في خطوة جاءت تنفيذاً لوعود أطلقها قبل عيد الميلاد. تسببت تغريدات ترامب بعاصفة نارية داخل البنتاغون ودوائر السياسة الخارجية، حيث استقال وزير الدفاع جيم ماتيس بعد فشله في إقناع ترامب بتغيير رأيه. لقد كان التخلي عن المجموعات الكردية السورية التي تقاتل إلى جانب القوات الخاصة الأمريكية آخر ما تم توقعه بالنسبة لماتيس. كما حاول جون بولتون، مستشار الأمن القومي، الحد من التخلي عن الكرد على الرغم من أنه ما زال غير واضحاً فيما إذا كان سينجح أم لا.

يجادل العديد من مؤيدي قرار ترامب بأن الولايات المتحدة لا تدين بالكثير للكرد. هناك تياران رئيسيان من منتقدي تحالف الولايات المتحدة الأمريكية مع الكرد السوريين: الأول واقعي ويقول بأن تركيا أكثر أهمية بالنسبة للمصالح الأمريكية. ربما كان ذلك صحيحاً من الناحية التاريخية، لكنه يتجاهل أن السبب الوحيد لتحالف الولايات المتحدة مع الكرد في المقام الأول هو أن الكرد، وفي ظل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أثبتوا أنهم أكثر استعداداً لمواجهة الدولة الإسلامية من تركيا. ويقول منتقدون آخرون أن التحالف الأمريكي مع قوات سوريا الديمقراطية (قسد) يقوم بتغطية وحدات حماية الشعب (YPG) التي تعتبر بحد ذاتها فرع حزب العمال الكردستاني (PKK) الذي صنفته الولايات المتحدة الأمريكية على أنها مجموعة إرهابية وتقود تمرداً داخل تركيا منذ عام 1984. لا يمكن لأي من التقلبات الفكرية أو الدبلوماسية المزدوجة إخفاء هذه الحقيقة، رغم أنه هناك محاولات من قبل وزارة الخارجية. إن ما حققته وحدات حماية الشعب (YPG) عسكرياً كما أنجزته المنظمات المدنية الكردية داخل سوريا، لهو أمر مثير للإعجاب.  

هل ينبغي أن يكون تمرد حزب العمال الكردستاني والأيديولوجية الماركسية السابقة عاملاً غير مؤهلاً اليوم؟ القضية المطروحة هي ما إذا كان ينبغي الحكم على حزب العمال الكردستاني من خلال أفعاله قبل خمسة وثلاثين عاماً، أو ما إذا كان من الممكن قبول هذه المنظمات والحكومات وهي في طور التطور.

تأسس حزب العمال الكردستاني في عام 1978 من قبل عبد الله أوجلان مع مجموعة من الكرد الماركسيين ذوي التفكير المماثل في منزل بديار بكر في تركيا. خلال السنوات التالية، تحركت الحكومة من أجل تعزيز السيطرة على القضية الكردية، وغالباً ما كان من خلال استهداف واغتيال أعضاء الجماعات اليسارية والكردية المتنافسة والأحزاب السياسية. وبدأت حملة ما يسمى مكافحة الإرهاب المحلي بالاقتراب من العصب الجيوسياسي. بالرجوع إلى المنطق القائل بأن “عدو عدوي هو صديقي”، نال أوجلان دعم الرئيس السوري حافظ الأسد. سوريا التي كانت تستضيف عدداً من المنظمات الإرهابية والثورية الأخرى، استضافت حزب العمال الكردستاني في معسكرات التدريب اللبنانية.  

في 15 أغسطس/آب 1984، شن حزب العمال الكردستاني هجمات منسقة ضد القريتين الجبليتين التركيتين أروه وشمدينلي، وأطلقوا النار على ثكنات الجيش والشرطة واقتحموا مستودعات التخزين. وهكذا بدأ التمرد الذي وصف بأنه حرب التحرير من قبل أنصار حزب العمال الكردستاني وحملة إرهابية من قبل الكثير من المجتمع التركي. على مدى الأشهر اللاحقة، أظهر حزب العمال الكردستاني قدرته على الحفاظ على استمراريته في القتال ومهاجمة أهداف هامة على نحو متزايد، مما أسفر عن مقتل العديد من الجنود الأتراك، بينما كان الرئيس كنان إفرن يقوم بجولة في المنطقة الكردية. أدى تمرد حزب العمال الكردستاني إلى مقتل أكثر من 30 ألف شخص من الكرد والأتراك. كثرت الاتهامات وارتكب الجانبان الفظائع، وبعيداً عن السجل العسكري لحزب العمال الكردستاني، قام أوجلان بإدارة حزب العمال الكردستاني حتى بعد سجنه، تتجسد شخصية أوجلان بشكل عميق كما أن صوره معلقة في كل مكان على جدران المكاتب الكردية في جميع أنحاء سوريا.

ولكن وبعد عقدين من اعتقال أوجلان، هل يجب استبعاد حزب العمال الكردستاني نهائياً من أي شراكة أو من القدرة على تطوير نفسه؟ ومن المفارقات أن أردوغان لم يفكر في ذلك: ففي عام 2012، أطلق الزعيم التركي مبادرة سلام لم يسبق لها مثيل، حيث تفاوض في البداية سراً مع حزب العمال الكردستاني، ومن ثم علانية مع أوجلان. ربما انهارت المحادثات، لكن اعتراف أردوغان الضمني بأوجلان كزعيم لكرد تركيا لا يمكن إنكاره.  

على مر عقود، خضعت لهجة أوجلان للاعتدال وتغيرت أهداف حزب العمال الكردستاني. حيث لم تعد المجموعة تتحدث عن تقسيم تركيا، وبدلاً من ذلك، تركزت محادثاتها حول اللامركزية و “الكونفدرالية الديمقراطية”. قد تكون فلسفة أوجلان السياسية معقدة، لكنها ليست الماركسية السوفييتية التي كانت تُخشى منها خلال الحرب الباردة. وعلى الرغم من أن عبادة الشخصية الأوجلانية قد تبقى موجودة، إلا أنها تختلف قليلاً عن عبادة أتاتورك في تركيا أو طائفة البارزاني في كردستان العراق.

والأهم من ذلك، تغيرت تكتيكات حزب العمال الكردستاني: صحيح أنه لا يزال هناك تمرد عسكري، لكنه بوتيرة أقل. بالمقابل، إن الأيام التي كان حزب العمال الكردستاني يستهدف فيها المدنيين الأتراك (للأسف لا يتم الالتفات إلى حقيقة أن القوات التركية أيضاً لا زالت تستهدف المدنيين؛ وأهالي جزرة ونصيبين وسور يشهدون على ذلك) قد ولّت. من المؤكد أن الفصائل المنبثقة من حزب العمال الكردستاني مثل “صقور حرية كردستان” (TAK)، تبنت عدة هجمات، لكن ظاهرة الفصائل هذه كانت شائعة، ويمكن رؤية هذه الظاهرة في حالة “الجيش الجمهوري الإيرلندي الحقيقي” الذي ظهر بعد دخول الجيش الجمهوري الإيرلندي في عملية سلام في إيرلندا الشمالية.

إن استبعاد قوات سوريا الديمقراطية من أي شراكة معنوية وسحب الدعم والحماية من الكانتونات التي يديرها الكرد في شمال سوريا بسبب الحرب الباردة الماركسية لأوجلان، هو أيضاً سحب أي دعم من الحزب الديمقراطي الكردستاني في العراق الذي يرأسه مسعود البارزاني. علاوة على ذلك، أمضى البارزاني معظم طفولته في الاتحاد السوفياتي، البلد الذي عاش والده الملا مصطفى البارزاني تحت حمايته وتلقى الدعم منها. كما سيكون من الضروري استبعاد الجماعة المنبثقة عن الحزب الديمقراطي الكردستاني، ألا وهو الاتحاد الوطني الكردستاني الذي ما زال منذ تأسيسه في عام 1975 وحتى يومنا هذا عضواً في الاشتراكية الدولية. ثم هناك، بالطبع، نيلسون مانديلا والمؤتمر الوطني الإفريقي، حيث انخرط حزب المؤتمر الوطني الإفريقي في الإرهاب واعتنق الماركسية على الرغم من زوالهما خلال فترة مانديلا. (عاودت هذه الفصائل الراديكالية بالظهور مرة أخرى ليس لعزل جنوب أفريقيا، بل للضغط على نظام سيريل رامافوزا الشعبوي والقمعي). وفي ألمانيا، هناك الحزب السياسي اليساري (داي لينك) الذي ينحدر مباشرة من الحزب الاشتراكي الديمقراطي الذي هيمن على ألمانيا الشرقية خلال فترة الدكتاتورية الشيوعية، يعتبر هذا الحزب خامس أكبر حزب في ألمانيا وأكبر حزب ضمن مجموعة اليسار الأوروبي المتحد – اليسار الأخضر الشمالي (GUE/NGL) في البرلمان الأوروبي.

إن السؤال حول العفو وإعادة الاندماج في الأعراف الدولية لا يقتصر فقط على الأحزاب الماركسية. فقد انتقلت حركة النهضة في تونس من حزب إسلامي متشدد إلى حزب متسامح يقبل التسوية والمعايير الديمقراطية. وهاجم حزب الدعوة العراقي السفارة الأمريكية في الكويت قبل ثلاثة عقود من ترأسه النهضة الديمقراطية في العراق.

هذه ليست دعوة مفتوحة للتغاضي عن كل الجماعات الإرهابية: تبقى حماس وحزب الله جماعات إرهابية لدى الولايات المتحدة، حيث تفتقران حتى اليوم إلى شرعية ديمقراطية من خلال البقاء على ميليشياتها الخاصة لتحقيق النصر بقوة السلاح حين تعجزان عن تحقيقهما بوسيلة أخرى كصندوق الاقتراع مثلاً. كما أنه بالإضافة إلى نشاطهما، لا تزال أيديولوجيتهما أيضاً بعيدة عن الديمقراطية بشكل أساسي وقريبة من الإبادة الجماعية. في الحين الذي يمارس الكرد السوريون ديانات متنوعة، ترفض حماس وحزب الله ذلك، وكذلك كل من تنظيم القاعدة والدولة الإسلامية.

لرفض الاعتراف وإطراء التطور الذي طرأ على حزب العمال الكردستاني ورفض الاعتراف بالإنجازات التي قدمها والاستقرار الذي قام بإرسائه السيطرة الكردية السورية إبان الحرب الأهلية المروعة، لا يعتبر فقط اتباع نهج ظالم اتجاه الكرد فحسب، بل يدل أيضاً على أنه يتوجب عليهم مواصلة القتال ضد تركيا حتى الموت من أجل نيل حقوقهم الإنسانية الأساسية. وفي ظل هذا الواقع، لا يمكن أن يكون هناك أي حل سياسي أو دبلوماسي في تركيا أو سوريا أو أي مكان آخر.  

المصدر: أمريكان إنتربرايز سنتر

ترجمة عن الانكليزية: مركز الفرات للدراسات – قسم الترجمة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى