ترجمات

حان الوقت بالنسبة للولايات المتحدة أن تقوم بإزالة حزب العمال الكردستاني من قائمة الإرهاب – الجزء الثاني

23 أكتوبر/تشرين الأول 2018

ترجمة: جوان شكاكي

المصدر: The Region

ننشر هنا الجزء الثاني من الدراسة المقدمة حول الحجج القانونية والسياسية والتاريخية لإزالة اسم حزب العمال الكردستاني من قائمة الإرهاب.


حان الوقت بالنسبة للولايات المتحدة أن تقوم بإزالة حزب العمال الكردستاني من قائمة الإرهاب | الجزء الأول


 

في العام 1997، وضعت الولايات المتحدة تسمية “منظمة إرهابية” على منظمة تشن حرب تحرير وطني ضد ثاني أكبر قوة في حلف الناتو – وهي دولة سعت الولايات المتحدة دوماً إلى الحفاظ على علاقات وثيقة معها. أما اليوم، تقوم تركيا بشراء أنظمة صواريخ متطورة من روسيا، تقوم بسجن الأمريكيين وتحذر قادة العالم من أنه في حال قيام القادة الغربيين بحملة ضد أردوغان لانتهاكات حقوق الإنسان في تركيا، فإن مواطنيهم لن يتمكنوا من السير بأمان في الشوارع – بينما يحارب حزب العمال الكردستاني في المقابل داعش ويبدي استعداده للتفاوض من أجل السلام، هذا وتحتل الحركة الكردية القائمة على أفكار أوجلان مكاناً على المسرح العالمي. فإذا كان قد حان الوقت لإزالة هذه المنظمة من قائمة الإرهاب، هذا الوقت هو الآن.

بمعنى ضيق أكثر، يتعلق هذا بمضمون معايير الإلغاء وحدها، لم تتغير الظروف منذ العام 1997، حيث لم يلائم حزب العمال الكردستاني التعريف الأمريكي للمنظمات الإرهابية، ولم يفعل ذلك الآن. ومع ذلك، مع الاعتراف بأن تسميات “المنظمات الإرهابية” سياسية، يمكن للمرء أن يناقش بأن الظروف السياسية والحقائق على الأرض قد تغيرت بشكل كبير. ما كان قراراً غير شرعياً في ذلك الوقت، هو هراء لا حدود له الآن، وهذا ما تراه الدول القوية أيضاً. تناقش النقاط التالية التغييرات السياسية الرئيسية التي تثبت ذلك.

الحرب ضد داعش

إن السبب السياسي الرئيسي لإعادة النظر في تصنيف حزب العمال الكردستاني ضمن لائحة المنظمات الإرهابية الأجنبية في خطاب السياسة الأمريكية اليوم، يتعلق بدور حزب العمال الكردستاني في القتال ضد داعش في كل من العراق وسوريا. في العام 2016، دافع المسؤول السابق في وزارة الخارجية ديفيد ل. فيليبس، ومحامي الأمن القومي كيلي بيركل، في منتدى لوفير (Lawfare Blog) عن “إزالة حزب العمال الكردستاني من قائمة وزارة الخارجية للمنظمات الإرهابية الأجنبية” قائلاً أن هذا من شأنه أن يخلق ظروفاً لمزيد من التعاون الأمني ​​بين الولايات المتحدة وحزب العمال الكردستاني في الحرب ضد الدولة الإسلامية في العراق وسوريا.” أوصى تقرير صادر في العام 2015 من فرقة عمل مركز سياسة الحزبين (Bipartisan Policy Center) يتكون من العديد من المسؤولين الحكوميين السابقين، بما فيهم السفراء الأمريكيين السابقين في تركيا، بأنه “على الحكومة الأمريكية أن تفتح باب النقاش حول دور حزب العمال الكردستاني في النزاع ضد داعش وعملية السلام مع الدولة التركية وما إذا كان يجب اعتبارها منظمة إرهابية أم لا”.

هناك العديد من الأسباب الواضحة التي تجعل فتح مثل هذا النقاش ضرورياً، ومن أهمها حقيقة أن حزب العمال الكردستاني كان أحد الأطراف الأوائل التي استجابت للتهديد الذي يمثله داعش للمجتمعات الأكثر ضعفاً في المنطقة، فقد ساعد تمركزهم  في سنجار في العام 2014 إلى إنقاذ آلاف الأرواح في وقت لم تتخذ فيه القوى الإقليمية والدولية أي إجراء لحماية المدنيين.

من المهم هنا أن نتذكر الوضع في سنجار قبل اجتياح داعش لها. كانت المقاطعة وما زالت موطناً للطائفة الإيزيديّة في العراق، وهي أقلية دينية من السكان الأصليين في المنطقة تعرضت للاضطهاد في ظل حكم البعثيين؛ وفي ظل حكومة إقليم كردستان. اعتبرهم الإسلاميون “عبدة الشيطان” واستهدفوهم بأخطر الأساليب العنيفة عبر التاريخ – في الواقع، يعتبر المجتمع الإيزيدي الإبادة الجماعية التي تعرضوا على أيدي داعش الفرمان الـ 74 في تاريخ شعبهم.

كانت قوات البيشمركة التابعة للحزب الديمقراطي الكردستاني مسؤولة عن الأمن في المنطقة، وكان تنظيم الدولة الإسلامية موجوداً في المناطق المجاورة لفترة من الزمن. قبل يوم من الهجوم، انسحبت قوات الحزب الديمقراطي الكردستاني بالكامل تاركة سنجار بلا حماية. بعض الناجين من المجزرة يرددون أنهم رفضوا حتى ترك أسلحتهم للإيزيديين المحليين للدفاع عن أنفسهم عند انسحابهم. أفسح هذا الانسحاب المجال لداعش لقتل الآلاف من الرجال واختطاف أكثر من 10.000 امرأة وطفل – ما زال حوالي 2000 منهم محتجزين من قبل التنظيم إلى يومنا هذا. وقد تم بيع النساء والفتيات المختطفات كعبيد في سوق النخاسة، واضطر الأطفال إلى أن يصبحوا مقاتلين. الجدير بالذكر أن الولايات المتحدة والهيئات الدولية الأخرى مثل الأمم المتحدة تنظر إلى المجازر على أنها إبادة جماعية.

هرب حوالي 50.000 شخص إلى جبل سنجار، حيث كانوا محاصرين هناك دون الحصول على الطعام أو الماء. في الحين الذي قامت الولايات المتحدة بإسقاط المساعدات من الطائرات ووافقت على غارات جوية محدودة وبدء القوات العراقية بنقل هؤلاء الأشخاص المحاصرين إلى بر الأمان؛ كان حزب العمال الكردستاني أول مجموعة تتدخل براً لكسر الحصار.

إلى جانب وحدات حماية الشعب والمرأة الكردية في سوريا (YPG) و(YPJ) فتح مقاتلو حزب العمال الكردستاني ممراً آمناً في المناطق التي يسيطر عليها الكرد في سوريا تمكن الإيزيديون المحاصرون عبرها من الفرار بأمان. ويعود الفضل لهم في إنقاذ ما يصل إلى 35.000 شخص، وقد قال الناجون الإيزيديون من الحصار في ذلك الوقت: “لو لم يقم حزب العمال الكردستاني بإنقاذ الإيزيديين حينها، لما رأيتم أي منهم على قيد الحياة، ليس الأمريكيين من أنقذهم، بل الله وحزب العمال الكردستاني.”

إن المنظمة التي أنقذت ضحايا ما كان من الممكن أن يكون من أبشع فظائع داعش، كان لها تصنيف قانوني في نظر الحكومة الأمريكية لا يختلف عن تنظيم داعش. إلا أنه ثمة مفارقة ما، كما لوحظ من قبل، لم تضيع حتى في العالم المحدود لدى خطاب السياسة للأجانب الأمريكيين. فقد استمر حزب العمال الكردستاني ليلعب دوراً رئيسياً في تحرير كوباني في الحين الذي سمحت فيه تركيا لداعش بمهاجمة المدينة من جانبها على الحدود السورية – وهو تناقض آخر بحد ذاته، هذا عدا عن المؤسسات الداعمة في تلك الفترة الزمنية.

كانت معركة كوباني، المدينة الكردية السورية على الحدود مع تركيا، تعتبر حاسمة من قبل جميع أطراف النزاع. حيث في مرحلة ما؛ باتت القوات الكردية تسيطر على عدد قليل فقط من المباني في المدينة. يعتقد المراقبون الأمريكيون أن انتصار داعش كان سيعزز من موقعها في سوريا ويجعلها قاعدة تستطيع من خلالها مهاجمة تركيا – الدولة العضو في حلف شمال الأطلسي (الناتو).

في الواقع، انتابت تركيا موجة خوف من أي نصر كردي أكثر مما تحقق، مهددة سكانها الكرد، ورفضت الانخراط عسكرياً مع مقاتلي داعش على حدودها بينما سمحت للمقاتلين الإسلاميين الأجانب بالمرور وبشكل سهل إلى سوريا. لقد تم توثيق اللامبالاة التركية ودعمها لداعش جيداً طوال النزاع السوري، قال ركميني كاليماشي، مراسل صحيفة نيويورك تايمز إن التنظيم استخدم تركيا “كقاعدة خلفية ونقطة عبور ومركز تسوق له”، كان يتم معالجة المقاتلين الجرحى في المستشفيات التركية، وأفادت التقارير أن المسؤولين الأتراك إما غضوا النظر عن تهريب النفط عبر تركيا أو المشاركة بفعالية في التجارة غير المشروعة والاستفادة منها.

في الحين الذي كان يعمل عناصر من الدولة التركية بالتنسيق مع داعش التي جلبت دماراً غير مسبوقاً إلى سوريا، واصل حزب العمال الكردستاني القتال ضده، هذا وقد دعا القائد في حزب العمال الكردستاني مراد كرايلان الكرد في تركيا للانضمام إلى وحدات حماية الشعب والمشاركة في المقاومة. قاتل حزب العمال الكردستاني جنباً إلى جنب مع وحدات حماية الشعب ووحدات حماية المرأة للدفاع عن المدينة وتحريرها في نهاية المطاف. كانت المعركة من أجل كوباني بمثابة أول مثال على دعم دولة خارجية للجماعات الكردية التي تقاتل داعش، حيث استهدفت غارات قوات التحالف مواقع الجهاديين بينما قاد المقاتلون الكرد القتال على الأرض. مرة أخرى، تشارك منظمة تشكل عنصراً أساسياً في القتال ضد الإسلام المتطرف نفس التصنيف الإرهابي للمنظمة التي قاتلت ضده.

عند الدخول في مناقشة حول سوريا، من المهم أن نتنبه إلى أن وحدات حماية الشعب ليست حزب العمال الكردستاني، وأن الاختلاط الكلي بين المجموعتين يعتبر خطأً، كلاهما لديهما أهدافاً مختلفة ووسائل مختلفة لتحقيقها. الهدف العلني لوحدات حماية الشعب هو الدفاع عن شمال سوريا وفق مبادئ “الدفاع المشروع” و”المجتمع الديمقراطي والبيئة وتحرير المرأة”.

ومع ذلك، فهما يتشاركان نفس الإيديولوجية، الكونفدرالية الديمقراطية، نظام طوره مؤسس وزعيم حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان المسجون؛ الذي يشدد على الديمقراطية التشاركية وفق التسلسل الهرمي والاستقلال الديني والعرقي والتعددية وتحرير المرأة. وحيث يتم تطبيق هذا النظام في سوريا، تحديداً في المناطق الخاضعة لسيطرة وحدات حماية الشعب، فقد قدم نظام الكونفدرالية الديمقراطية الحكم الأكثر استقراراً واستدامةً وديمقراطيةً. يتمتع الشخص الذي يعيش في ظل الإدارة الذاتية الديمقراطية في شمال وشرق سوريا بحق المشاركة والتصويت في بلدية مكونة من جميع الأشخاص الذين هم في سن التصويت، وكذلك حق التصويت في الانتخابات المحلية. تعكس إدراج ثلاث لغات رسمية مدى التنوع اللغوي المحلي، ويتم حماية الحرية الدينية للجميع. تناضل المنظمات النسائية المستقلة من أجل النهوض بحقوق المرأة في منطقة محافظة مع إعطاء المرأة حق التعليم والدعم الذي تحتاجه للمشاركة الكاملة في الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.

في الوقت الذي لا تزال فيه التحديات قائمة، يعتبر هذا النظام بديلاً مختلفاً تماماً عن النظامين البعثي والإسلامي الذي ثبت نجاحه في المناطق الكردية وغير الكردية على حد سواء. إن الاستقرار الذي يؤمنه هو بديل صارخ عن “الاستقرار” و”الديمقراطية” اللتين يدعي كل من الدكتاتوريين المحليين وداعميهم الغربيين فرضها من خلال الاستبداد والغزو والقمع. وحيث تشجع التدخلات الأجنبية والدكتاتورية البربرية على التطرف، فإن الكونفدرالية الديمقراطية بالمقابل، هي إيديولوجية محلية بالكامل تحارب التطرف وتؤمن حق تقرير المصير الحقيقي. هذا هو أحد مكونات الكفاح ضد داعش الذي قامت به المنظمات الكردية بطريقة لا يمكن لأية جهة فاعلة أخرى أن تقوم بها.  

التغيير الايديولوجي

شرح مبادئ الكونفدرالية الديمقراطية ذاتها لها أهمية سياسية أيضاً فيما يتعلق بإزالة حزب العمال الكردستاني من لائحة المنظمات الإرهابية – رغم أنه أقل انتشاراً في الخطاب الغربي. تأسس حزب العمال الكردستاني كمنظمة ماركسية – لينينية سعياً إلى التحرر الوطني الكردي وإقامة دولة كردية اشتراكية. واعتمدت إيديولوجية الكونفدرالية الديمقراطية عام 2003، بعد سنوات من النضال ضد قمع الدولة التركية واختطاف وسجن أوجلان. في نقاشاته الخاصة حول التغييرات التي طرأت في وجهات نظره، يعترف أوجلان بالأسباب التي تدعو إلى التغيير الإيديولوجي ويتطرق إلى الأمل في أن هذا النموذج الجديد سيؤدي إلى زيادة فرص السلام والحرية للشعب الكردي. يقول أوجلان في كتابه حول الحرب والسلام في كردستان:

كان حزب العمال الكردستاني يعتقد أن الكفاح المسلح سيكون كافياً لنيل الحقوق التي حرم منها الكرد. هذه الفكرة الحتمية حول الحرب ليست اشتراكية ولا هي ديمقراطية، بالرغم من أن حزب العمال الكردستاني يرى نفسه كحزب ديمقراطي. أي حزب اشتراكي لا يغريه المؤسسات الدولتية والتسلسل الهرمي ولا يطمح إلى قوة سياسية مؤسساتية أساسها حماية المصالح والسلطة عبر الحروب. إن الهزيمة المفترضة لحزب العمال الكردستاني التي اعتقدت السلطات التركية أنها قد حققتها عن طريق خطفها لشخصي أنا إلى تركيا، كانت في نهاية المطاف سبباً كافياً للنظر بطريقة نقدية وعلنية في الأسباب التي منعتنا من إحراز تقدم أفضل مع حركتنا التحررية. لقد جعل الانقطاع الإيديولوجي والسياسي الذي تعرض له حزب العمال الكردستاني بالهزيمة الظاهرية لأن يكون مدخلاً إلى آفاق جديدة.”

هنا، ينتقد أوجلان التراتبية و”الهياكل شبه الدولتية” – فالنقد ضروري للكونفدرالية الديمقراطية ومن أجل الحاجة للتغلب على الدولة القومية. كما يلاحظ، أن التغيير الإيديولوجي جاء بعد إجراء تحقيق جاد في أسباب الصعوبات السابقة التي واجهتها المنظمة. في كتاب آخر باسم “مرافعات السجون: حزب العمال الكردستاني والمسألة الكردية في القرن الواحد والعشرين”، تم تطوير هذا النقاش بشكل أكثر.

إن التحول الإيديولوجي مهم بالنسبة للسياق السياسي لإزالة اسم حزب العمال الكردستاني من الإرهاب لأن المعيار الأساسي لإزالة التصنيف الإرهابي للمنظمة هو دليل على أن الظروف التي تم إدراج المنظمة فيها قد تغيرت إلى حد كبير. إن قيام حزب العمال الكردستاني نفسه وبشكل علني، بإجراء تغييرات على أساس تقييم نقدي للإجراءات الماضية التي اتخذها – واعتماده إيديولوجية وضعت الأساس لسوريا حرة وسلمية – يعد دليلاً حاسماً على مثل هذا التغيير الذي يمكن أن تأمله مجموعة ما. إن التغيير وأسبابه موثق بشكل جيد في مرافعات أوجلان وفي تصريحات كبار الشخصيات النشطة في قيادة المنظمة مفيدة أيضاً لمثل هذه الحالة. تقوم سيرا هاكيميز بتفسير العوامل التي أدت إلى محاولة تحقيق السلام بين عامي 2012 و 2015، قائلةً أن مرافعات أوجلان في السجن والرؤية الجديدة لأهداف حزب العمال الكردستاني كانت سبباً وراء نجاح المحادثات في ذلك الوقت:

بالاعتماد على مرافعات أوجلان في السجن، أعاد حزب العمال الكردستاني تعريف استراتيجيته السياسية بتأمين مناطق حكم ذاتي للكرد في بلدانهم التي يعيشون فيها بدلاً من إقامة كردستان مستقلة وموحدة … في ظل هذه الظروف، كان حزب العدالة والتنمية (AKP) في وضع يمكّنه من المشاركة مع حزب العمال الكردستاني لوضع الخطوط العريضة لشروط وأحكام الحكم الذاتي الكردي ضمن تركيا ديمقراطية.”   

العمل ضد الكرد والمعارضين

الحجة السياسية الأخرى لإزالة الاسم من القائمة الإرهابية وغير الموجودة إلى الآن في خطاب السياسة الغربية، هي حقيقة أن الغرب لا زال يضفي الشرعية على المحاولات التركية لقمع الثقافة الكردية والمشاركة السياسية المدنية. تاريخ القمع التركي ضد الشعب الكردي ليس مطروحاً للنقاش، فقد تم حظر اللغة الكردية وكلمة “كردستان” نفسها حتى تسعينيات القرن الماضي، وكانت الاحتفالات الثقافية مثل عيد نوروز تقابل بعنف كبير من جانب الشرطة – كان عيد نوروز بالتحديد محظوراً بشكل تام حتى عام 1995. لقد تعرضت المجتمعات الكردية لمجازر ونزوح واستيعاب قسري وسجن جماعي وتعذيب منذ تأسيس الدولة التركية. أي كردي في تركيا يتحدى هذا الاضطهاد بأي شكل كان، حيث يمكن أن يكون محكوماً بالإرهاب حتى.  

منذ الحملة التي بدأ بها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بعد الانقلاب الفاشل في يوليو/تموز 2016 لوحده، تم سجن الكثير من الأشخاص بتهم تتعلق بالإرهاب بسبب جرائم كترديد الأغاني الكردية أو الاعتراض على الحرب أو ببساطة، أداء واجباتهم كمسؤولين منتخبين مع تفويض شعبي لتمثيل المناطق. تمت فصل مسؤولين محليين منتخبين في 27 بلدية كردية بتهمة ارتباطهم بحزب العمال الكردستاني واستبدال تلك البلديات بحزب العدالة والتنمية، والذي هدد منذ ذلك الحين بتنفيذ نفس الإجراء إذا كان أعضاء من حزب الشعوب الديمقراطي الموالي للكرد. نجح حزب الشعوب الديمقراطي (HDP) في الانتخابات المحلية، لكن تم زج العديد من برلمانييه في السجون، بما فيهم الرئيسان السابقان للحزب صلاح الدين دميرتاس وفيغن يوكسكداغ للسجن لمدة عامين بحجة جرائم أخرى خيالية كـ “تأسيس منظمة إرهابية” أو إلقاء خطابات في نوروز وتحدث بشكل إيجابي عن عملية السلام بين حزب العمال الكردستاني والدولة التركية التي جرت في ذلك الوقت.

المواطنون الأمريكيون أيضاً غير معفيون من هذه العدالة الهزلية. في العام 2016 ألقي القبض على القس الإنجيلي أندرو برونسون الذي عاش وعمل في تركيا لسنوات. اتهم برونسون بأنه عضو في حزب العمال الكردستاني ومنظمة فتح الله غولن، وهما منظمتان تتعارضان مع بعضهما البعض. عندما تم التوصل إلى اتفاق بين الولايات المتحدة وتركيا وإطلاق سراح برونسون، تراجع شهود رئيسيون في المحاكمة عن شهاداتهم التي تربطهم بالجماعات، مما سمح للمحكمة بإصدار حكم أخف. يبين هذا ماهية التهم الإرهابية في كثير من الأحيان في تركيا، والتي أكثرها ما تكون سياسية.

من خلال تصنيف حزب العمال الكردستاني كمنظمة إرهابية، تقوم الولايات المتحدة بتعزيز تلك الأداة. في الوقت الذي تقوم وزارة الخارجية بإدراج فروع مسلحة معينة وأخرى سياسية فقط، فإن تركيا تعتبر أي نشاط سياسي أو ثقافي كردي لا توافق عليه، “حزب العمال الكردستاني الإرهابي”. يمكن لتركيا بعد ذلك أن تقول إن الولايات المتحدة توافق على “الحرب ضد الإرهاب” – التي هي في الواقع حرب على الشعب الكردي ككل، وإرغامهم على الخروج من الحياة السياسية والثقافية. إذا كانت الولايات المتحدة لا تريد إضفاء الشرعية على ملاحقات الإرهابيين من أجل الخطابات الداعية إلى السلام والاحتجاجات ضد التطهير العرقي والحرب والاعتقالات السياسية واحتجاز الرهائن، فإنها يمكن أن توضح لتركيا أنها لا تقبل التبرير القانوني لمثل هذه التصرفات وترفض إدراج حزب العمال الكردستاني كمنظمة إرهابية.

الرغبة في التفاوض  

العامل السياسي الرابع هو رغبة حزب العمال الكردستاني في المشاركة في مفاوضات السلام مع الدولة التركية، وهذا بدوره سيكون له تأثير إيجابي أكثر في حال إزالة اسم الحزب من الإرهاب. إن الرغبة في التفاوض، خاصةً بعد إجراء التغييرات الإيديولوجية يظهر لنا مدى التظلم الذي تعرض له حزب العمال الكردستاني من جراء وضع اسمه في لائحة المنظمات الإرهابية.

استمرت الجولة الأخيرة من مفاوضات السلام من العام 2012 إلى العام 2015. في أواخر العام 2012، كشف أردوغان أن المفاوضات المتعلقة بإيجاد حل للصراع لا تزال جارية. وفي تلك الفترة دعا أوجلان نفسه حزب العمال الكردستاني إلى إلقاء السلاح والانسحاب من الأراضي التركية، وذلك عبر رسالة بعث بها من السجن وتمت قراءتها في احتفالات نوروز في مارس/آذار 2013:

لقد وصلنا اليوم إلى نقطة يتم فيها إسكات البنادق وتتحدث الأفكار. لقد انهار نموذج الحداثة الذي كان يتجاهل وينكر ويستبعد. تراق الدماء من صميم هذا الأرض، بغض النظر عما إذا كانت دماء تركية أو كردية أو لازية أو شركسية.  عصر جديد يبدأ الآن. تتقدم لغة السياسة على لغة السلاح.”

وكان رد  أردوغان، الذي كان رئيس وزراء تركيا في ذلك الوقت إيجابياً بشكل نسبي:

ربما سيذهبون إلى العراق، ربما إلى سوريا أو ربما إلى أوروبا، لا سيما الدول الإسكندنافية. لا أستطيع معرفة ذلك. ما يهمني هو إحلال السلام في بلدي. الشيء الذي أعرفه هو أنه عندما يذهبون، ستتغير الأجواء في بلدي، سيشهد الشرق ازدهاراً اقتصادياً (بعد الانسحاب).”

لقد تم تنفيذ وقف إطلاق النار الذي تمت الدعوة إليه بالفعل، وانتقل مقاتلو حزب العمال الكردستاني من تركيا إلى الأراضي العراقية بعد شهرين. في العام 2014 أفاد استطلاع للرأي بأن 57٪ من البلاد حينها أيدت عملية السلام و83٪ من الكرد طبقوا ذلك على أرض الواقع.

بعد انتخابات يونيو/حزيران 2015، وعندما اجتاز حزب الشعوب الديمقراطي عتبة الانتخابات التركية المرتفعة بشكل ملحوظ ولأول مرة ودخل البرلمان على إثر ذلك، قل عدد مقاعد حزب العدالة والتنمية الكافية لتشكيل حكومة أغلبية من تلقاء نفسه. وقد أدى هذا إلى تجدد حملة القمع ضد الشعب الكردي – بما في ذلك إنهاء عملية السلام ووقف إطلاق النار. بحلول أوائل العام 2016، تمت محاصرة المدن الكردية بالكامل وتدميرها بحجة “محاربة الإرهاب”.

وهكذا فشلت تلك المفاوضات من جانب حزب العدالة والتنمية، وليس من جانب حزب العمال الكردستاني بدليل أن هذه  المنظمة بذلت كل الجهود الممكنة لضمان نجاح المحادثات، وأثبتوا أنه في ظل الظروف المناسبة سيكونون على استعداد للقيام بذلك مرة أخرى. ويمكن أن يحقق هذا أيضاً الشروط اللازمة لإثبات تغيير الظروف من أجل أن يتم إلغاء اسم الحزب من قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية. بالمقابل، يمكن أن يؤدي إزالة الاسم من القائمة بالفعل إلى تشجيع عملية سلام جديدة لأنها ستضعف موقف الشرعية الدولية أمام المطالبات التركية بأن حزب العمال الكردستاني منظمة خطيرة للغاية ولا يمكن التفاوض معها.

على ضوء ما ذكر، من الواضح أن تسمية حزب العمال الكردستاني ضمن المنظمات الإرهابية هي في الحقيقة سياسة غير قائمة على الأمن. إن الحجج السياسية والقانونية للإزالة أقوى من تلك التي وضعت حزب العمال الكردستاني في قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية في العام 1997، وأنه يمكن إثبات أن الظروف بين الحين والآخر قد تغيرت بما يكفي للادعاء بأنه لم يعد من الواجب تعريف حزب العمال الكردستاني على أنها منظمة إرهابية. هناك قضية حاسمة جداً إذاً بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية لتقوم بإزالة اسم حزب العمال الكردستاني من قائمة المنظمات الإرهابية وإنهاء تجريم حركة يتم النظر إليها على أنها مقاومة شرعية وضرورية للشعب الذي تدافع عنه. قد لا يمحو هذا الجرائم الأمريكية القديمة المرتكبة ضد الشعب الكردي – لكنها ستعترف بالظلم، وستجعل السياسة تتماشى مع الواقعية.

 

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى